فصل: فصلٌ فِي التَّعْزِيرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي التَّعْزِيرِ:

(وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ) لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِعَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ: يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا سَارِقُ) لِأَنَّهُ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ إلَّا أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ.
(وَلَوْ قَالَ يَا حِمَارُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ مَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ، وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ.
وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَإِذَا تَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا.
فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَا إلَى أَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ فَصَرَفَاهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَنَقَصَا مِنْهُ سَوْطًا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتَبَرَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ، ثُمَّ نَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ خَمْسَةً وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَلَّدَهُ، ثُمَّ قَدَّرَ الْأَدْنَى فِي الْكِتَابِ بِثَلَاثِ جَلَدَاتٍ، لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ بَابِهِ فَيُقَرِّبُ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا، وَالْقَذْفَ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ.
الشرح:
فصلٌ فِي التَّعْزِيرِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ، فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَرَوَاهُ ابْنُ نَاجِيَةَ فِي فَوَائِدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْأَصْبَحِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ خَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا»، الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ مُرْسَلًا، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا»، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي بُلُوغَ التَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْعَسَّالُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْزِيرَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) لِأَنَّهُ صَلَحَ تَعْزِيرًا، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِي بِهِ، فَجَازَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا شُرِعَ فِي الْحَدِّ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ.
قَالَ: (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّخْفِيفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ.
قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا، وَلِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ.
(وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِيهِ، وَالْإِطْلَاقَاتُ تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ، إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ، قُلْنَا لَمَّا اُسْتُوْفِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ.

.كِتَابُ السَّرِقَةِ:

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ، كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ، وَفِي الْكُبْرَى: أَعْنِي قَطْعَ الطَّرِيقِ مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ، وَفِي الصُّغْرَى: مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.
قَالَ: (وَإِذَا سَرَقَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}الْآيَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ، لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَفْتُرُ فِي الْحَقِيرِ، وَكَذَا أَخْذُهُ لَا يَخْفَى فَلَا يَتَحَقَّقُ رُكْنُهُ وَلَا حِكْمَةُ الزَّجْرِ لِأَنَّهَا فِيمَا يَغْلِبُ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّقْدِيرُ بِرُبْعِ دِينَارٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.
لَهُمَا: أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اثْنَتَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا.
وَلَنَا: أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةَ عَدَمِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا، فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك اشْتِرَاطَ الْمَضْرُوبِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ رِعَايَةً لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا قِيمَتُهَا أَنْقَصُ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةً لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا، وَلَا بُدَّ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
كِتَابُ السَّرِقَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمَا: إنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، وَكِلَاهُمَا ذُو ثَمَنٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»، انْتَهَى.
وَفِي الْمُوَطَّإِ: مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُنْجَةً، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ، فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ، انْتَهَى.
قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، سَوَاءٌ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ، أَوْ اتَّضَعَ، وَذَلِكَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ»، وَقَطَعَ عُثْمَانُ فِي أُتْرُنْجَةٍ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْته إلَيَّ، انْتَهَى.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» فَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَجَوَابُهُ فِيهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ»، زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ، أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ مِنْهُ مَا يُسَاوِي دَرَاهِمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ».
قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي حَجَفَةٍ»، وَقُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ رَفَعَهُ، قَالَ: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ» انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ خَطَأٌ، إنَّمَا قَالَهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَخَلَطَ فِي إسْنَادِهِ، وَشَرِيكٌ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ، لِمَا ظَهَرَ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
قُلْت: وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ، قَالَ: «لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ» انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيْمَنَ هَذَا الَّذِي فِي مُسْنَدِ النَّسَائِيّ هَلْ هُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ؟ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ هُمَا رَجُلَانِ، فَابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ صَحَابِيٌّ، وَحَدِيثُهُ مُسْنَدٌ، وَالْآخَرُ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، تَابِعِيٌّ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، فَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ عَقِيبَ حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَيْمَنُ هَذَا لَيْسَ بِابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ الصَّحَابِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَيْمَنُ بْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَوَافَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ الصَّحَابِيِّ، ذَاكَ أُمُّهُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ. انْتَهَى.
قُلْت: خَالَفَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ، فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أَيْمَنَ فِي أَوَّلِ الْكِتَاب: أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ أَخُو بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمَّى فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْمَنَ بْنَ عُبَيْدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ حَدِيثَ السَّرِقَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ عَنْ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْنَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ ثَمَنُ الْمِجَنِّ» قَالَ: وَكَانَ يُقَوَّمُ دِينَارًا. انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، فَكَيْفَ قُلْتَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؟ قَالَ: قَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَخِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، فَقُلْت لَهُ: لَا عِلْمَ لَك بِأَصْحَابِنَا، أَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُجَاهِدٌ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِيمَا كَتَبَ إلَيَّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: قَدْ رَوَى شَرِيكٌ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ وَكَانَ فَقِيهًا قَالَ: يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسَلٌ، وَأَرَى أَنَّهُ وَالِدُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي كِتَابِهِ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، رَوَى عَنْ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ، وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: أَيْمَنُ مَوْلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقِيلَ: مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّرِقَةِ، وَلَهُ عَنْ تُبَيْعٍ عَنْ ابْنِ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَعَنْهُ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَا أَحْسَبُ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ التَّرْجَمَتَيْنِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، فَجَعَلَاهُمَا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَتَبِيع رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَيْمَنَ وَالِدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: مَكِّيٌّ ثِقَةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيُّ مَوْلًى لِآلِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَخْزُومِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسِبَ إلَى أُمِّهِ، قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وُهِمَ حَدِيثُهُ فِي الْقَطْعِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.
كَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّابِعِينَ، وَكَذَا فَعَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِ: أَيْمَنُ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ دِينَارٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُمْ، فَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَى الْعَبَّاسُ بِقَوْلِهِ: نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الدَّارِ سَبْعَةً وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا وَثَامِنُنَا لَاقَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ بِمَا مَسَّهُ فِي الدِّينِ لَا يَتَوَجَّعُ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ بِلَالِ بْنِ أَبِي الْحِرْبَاءِ بْنِ قَيْسٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْلَاتُهُ، وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ فِيمَنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ: أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاضِنَتُهُ، اسْمُهَا بَرَكَةُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، فَأَعْتَقَهَا لَمَّا تَزَوَّجَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَتَزَوَّجَتْ بِعُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ شَهِيدًا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَوَهَبَتْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ، وَزَوَّجَهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمِهِ: أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَى لَهُ حَدِيثَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ رَوَى أَيْمَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمِهِ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ: إنَّهُ ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِلَالِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ رَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي الْجِهَادِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَبَشِيَّةً، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ حَتَّى كَبِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ عَقِيبَ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَنَسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْمَنُ هَذَا هُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَيْمَنُ هَذَا مِمَّنْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِمْ. انْتَهَى.
وفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ، وَرَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ هُوَ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، ذَكَرَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ، فَإِنْ كَانَ أَيْمَنُ صَحَابِيًّا فَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ لَمْ يُدْرِكَاهُ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ تَابِعِيًّا فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْمَوْقُوفَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِم»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى الْبَلْخِيّ عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: «كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَوَّمُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ مُرْسَلًا، لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ أَيْمَنَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ، قَالَ: «لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي دُونِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ مَرْفُوعًا: «لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ»، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَمْرٍو، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، جَامِعًا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ حَدِيثَ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، قُطِعَتْ يَدُ صَاحِبِهِ، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ»، مُخْتَصَرٌ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي اللُّقَطَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحِ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا قَطْعَ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَبُو مُطِيعٍ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ، فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ، وَغَيْرُهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أُتِيَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ سَرَقَ ثَوْبًا، فَقَالَ لِعُثْمَانَ: قَوِّمْهُ، فَقَوَّمَهُ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ وَلِأَنَّ التَّنْصِيفَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَكَامَلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ.
(وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا.
وَلَهُمَا: أَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا، لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ، وَاشْتَرَطَ الزِّيَادَةَ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ.
قَالَ: (وَيَجِبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) لِتَحَقُّقِ الظُّهُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلَّ لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.